مقالاتاخبار مصر

السودان ومصر، مصير واحد، و إلى الأبد* 1-2

بقلم الكاتب الصحفي الكبير / على سلطان

المصريون يحبون بلدهم مصر حباً جماً، ولا يفرطون في صونها والدفاع عنها، ومحبة المصريين لبلدهم مصر هي مضرب الأمثال بين شعوب العالم، وهناك قصص وحكايات ومواقف لاحصر لها تُظهر حب المصريين لمصر.
– وكيف لا يحب المصريون بلدهم مصر؟ وهي الأشهر بين بلدان العالم، وهي تُحظى بموقع استراتيجي قل نظيره بين دول العالم، ولذلك فإنها منذ آلاف السنين وهي مستهدفة من إمبراطوريات العالم منذ عهود: الفرس، والروم، والعثمانيين، ومن بعد: الألمان، والفرنسيين، والانجليز.. إلخ، ولكن مصر تمكنت طوال تلك الحِقب من إمتصاص كل عدوان وغزو، بل استطاعت أن تظل صامدة بقوة شعبها، وامكانياته وحيويته الدافقة.
– مصر مذكورة في القران العظيم الذي نتلوه و سنتلوه إلى يوم القيامة، (اهبطوا مصر إن شاء الله آمنين)، ومصر هي البلد الوحيد التي ورد ذكرها في القرآن الكريم أربع مرات صراحة؛ إذ قال تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” (يونس: ٨٧).
وقال: “وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِإمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (يوسف: ٢١).
وقال سبحانه: “فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” (يوسف: ٩٩).
وقال: “وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ” (الزخرف: ٥١).
– معلوم أن مصر إذا ورد اسمها بغير تنوين؛ أي ممنوعة من الصرف تكون هي مصر المعروفة لدينا، أما إذا ذُكرت منوّنة فهي ليس المقصود بها مصر فرعون، بل أي مصرٍ من الأمصار.
– وبيننا نحن السودانيين واهل مصرَ حبٌ قديم متجدد، وتاريخ مشترك لا تنفصم عراه خاصة بين شعبي وادي النيل، اللذان يربطهما النيل الخالد سليل الفراديس.
– لن ننسى نحن جيل الستينيات والسبعينيات وكذلك الأجيال السابقة واللاحقة فضل مصر علينا، لقد نشأنا ونحن ننهل من معين الثقافة المصرية التي تحيط بنا من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم، نحن جيل محظوظ تربّى على الثقافة المصرية، كنا نتزود من الثقافة المصرية دون توقف، و لانشبع.. لقد قرأت ومعي كثيرون من أبناء جيلي وبشغف وإنبهار كل روايات نجيب محفوظ ولم نستثن رواية واحدة، وقرأنا كل روايات يوسف السباعي وعبدالحليم عبدالله وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وجمال الغيطاني، وكنت من أشدّ المعجبين بالعبقري عباس محمود العقّاد، وقرأت كل ما نشره، وكذلك قرأت لإبراهيم المازني والدكتور طه حسين والرافعي والمنفلوطي واحمد شوقي….إلخ،
وتابعنا معظم الروايات المشهورة التي وجدت طريقها إلى السينما مثل زُقاق المدّق، و رُدّ قلبي….إلخ، وكانت السينما المصرية هي أيضاً نافذة مهمة للاطلالة منها على الثقافة المصرية والمجتمع المصري، وكم سهرنا الليالي مع كوكب الشرق أُم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب….إلخ.
– وفتحت مصر أبواب التعليم للطلبة السودانيين، وكان عدد الطلبة السودانيين في مصر أكثر من عدد الذين يدرسون في الجامعات السودانية، ولم يكن في عهدنا غير جامعة الخرطوم، وكان عدد منتسبي جامعة القاهرة فرع الخرطوم أكثر من عدد طلاب جامعة الخرطوم التي كانت تقبل أعداداً قليلة من الطلاب….إلخ.
– بالطبع لا استطيع في هذه العجالة وفي أسطرٍ قليلة أن أتحدث عن أفضال مصر تجاه السودان وأهله، ولن تكفينا المجلدات.
– أحببت من خلال هذه المقدمة أن أؤكد أن ما بيننا وبين مصر عامر وقديم و تليد ومتجدد ومتعاظم، وعلينا أن نعمل نحن شعبي وادي النيل على تعزيز تلك العلاقات واعطائها بعدها الاستراتيجي الحقيقي.. وان نتجاوز مرحلة العواطف الى التعاون البناء المثمر الذي يحقق لبلدينا الاستقرار والقوة والمنعة.. وأن نتجاوز كل العقبات والأهواء وان نعمل من أجل مصلحة شعبينا.
لقد نبهتنا هذه الحرب الملعونة اننا كشعبين نواجه المصير ذاته، وأن ما تعرضنا له في السودان تتأثر به مصر في المقام الأول، وإن الكيد ضد السودان هو بالضرورة كيد تجاه مصر، ومصر مستهدفة مثلنا تماماً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى