تنميه ثقافيه

التربية على المواطنة الرقمية

د ابتسام عمر عبدالرازق
نبدأ بالتعرض لنشأة المواطنة الرقمية لمعرفة الصورة الجديدة لمفهوم المواطنة مقارنة بالصورة القديمة التي نشأ بها ذات المصطلح؛ فمصطلح المواطنة عُرف في اليونان القديمة عندما كانت الولايات المستقلة بها تُحكم من خلال المواطنين أنفسهم، فالحكم الذاتي كان حقًا تكفله الدولة لكل المواطنين، وشهدت المواطنة اهتمامًا كبيرًا في روما القديمة، خاصة عند توسيع حدود الإمبراطورية والاستعانة بالمواطنين في إدارة المناطق الجديدة.
تلي ذلك ثورات الأمريكيين والفرنسيين ودورها في نشر فكرة المواطنة بالدول المستعَمرة، وفي خلال فترة التسعينيات، ومع التأكيد على مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة، أصبحت المواطنة من أكثر الموضوعات التي تحظي باهتمام، فمفهوم المواطنة هو جزء من الفهم الشامل لصورة (الدولة الحديثة) دولة القانون، وتكوينها الديمقراطي الذي يتسم بالحضور الكامل للفرد في الحياة العامة والمشاركة في تكوين واجبات متبادلة داخل إطار المواطنة بين الفرد والدولة، فأغلب الأوطان الآن تتسم بالتعدد العُرقي والعقائدي، إلا أن الرابطة التي تربط هؤلاء جميعًا وتحتضنهم وتوفر لهم الحياة الكريمة هي رابطة المواطنة، وبها يمكن أن تنتظم العلاقة بين أفراد وجماعات بينهم مكونات إنسانية متعددة ويجمعهم الوطن الواحد وتربطهم رابطة المساواة التامة في الحقوق والواجبات.
فالعنصر الأساسي في مفهوم المواطنة هو الانتماء الذي لا يمكن أن يتحقق بدون تربية فهي ضرورية لتحقيق المواطنة، والمواطنة مفهوم تاريخي شامل ومعقد له أبعاد عديدة ومتنوعة منها ما هو مادي قانوني، ومنها ما هو ثقافي سلوكي، فهي الصلة أو الرابطة القانونية بين الفرد والدولة، وتحدد هذه العلاقة عادة حقوق الفرد في الدولة وواجباته تجاهها، إن جوهر المواطنة يكمن في قضيتين أساسيتين هما مشاركة الأفراد في الحكم والمساواة بين جميع المواطنين، وتقوم المواطنة على مبدأين أساسيين هما التربية والمعرفة.
ثم بدأ مفهوما المواطن والمواطنة يأخذان أشكالًا جديدة منذ ظهور ثقافة الإنترنت وتطبيقاته، واتجاه قطاع كبير من الناس إلى ارتياد ساحات شبكات التواصل الاجتماعي حيث بدأ الحديث عما يسمي بالثورة الرقمية أو الإلكترونية، فهذه الأخيرة ليست مجرد موقع ويب أو مجرد استخدام بعض أدوات المواقع الاجتماعية أو البريد الإلكتروني، بل تتضمن إتاحة استخدام إمكانيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتغلب على الحجب والتعقب، واستخدام أدوات اتصالات شبكة الهاتف ورسائل الجوال ومراكز الاتصال الفردي والجماعي والأدوات اللاسلكية والنقالة ونظم الاتصال الأخرى وحشد القوي والتصرف.
كما شهد مفهوم المواطنة في القرن الحادي والعشرين تطورًا يتجه به إلى منحي العالمية، وأصبح الاعتراف بوجود ثقافات وديانات مختلفة واحترام حق الغير وحريته والاهتمام بالشئون الدولية، والمشاركة في تشجيع السلام الدولي والمشاركة في إدارة الصراعات والنزاعات بطريقة اللاعنف، هي أسس تنميها مؤسسات المجتمع لتزيد فاعلية الارتباط بين الأفراد على المستوي الشخصي والاجتماعي والمحلي والقومي والدولي عن طريق تنمية قدرات معينة للتفكير تحسم وتنظم في الوقت نفسه الاختلافات الثقافية، ومواجهة المشكلات والتحديات كأعضاء في مجتمع عالمي واحد.
ويتطلب فهم معني “المواطنة الرقمية” الانطلاق بالمفهوم التقليدي للمواطنة، بمعني انتماء مجموعة من الأفراد لبقعة أرض بشكل ثابت يحملون جنسيتها، ولهم قدرٍ متساوٍ من الحقوق والواجبات، إلى الوعي بأننا خلال تفاعلنا عبر شبكة الإنترنت ننتمي لمجتمع عالمي نتشارك فيه مع جيران يبعدون عنا عشرات أو مئات أو آلاف الكيلومترات، وجيران آخرين على الطرف الآخر من الكرة الأرضية، وهذا يتطلب منا وعيًا وسلوكًا رقميًا يوظف مزايا شبكة الإنترنت ويقلل من مخاطرها.

المراجع
1- United States (2004): Citizen and Immigration Service ”
2- Lagos,Taso, G. Lagos. (2010)” .Global Citizen Ship –Towards a Definition
1- عبد الله بسيوني (2013). ثورة مصر وتكنولوجيا المعلومات، الصراع في الفضاء السيبراني: من فيسبوك إلى ميدان التحرير
2- محمد عثمان الخشت (2015). تطور مفهوم المواطنة في الفكر السياسي الغربي،
3- جيدور حاج بشير (2016). أثر الثورة الرقمية والاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي في رسم الصورة الجديدة لمفهوم المواطنة: من المواطن العادي إلى المواطن الرقمي.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى