شهداء القهوة مقالة د . جمال الشاعر
.. أنا عازمكم على الغذاء فى “الفيلا ”
عندى .. فيلا؟ .. ايوه .. بتاعتك ؟ ايوه .. فين ؟! .. .. فى حارة الصوامع .. فى الدور الخامس .. اجمل روف .. على السطوح .. .. ها ها ها .. ونضحك كثيرا ونلبى الدعوة فرحين … كان صديقنا محمود عزت هو الأكثر كرما وضيافة فى زمن العزوبية .. آخر مليم فى جيبه ينفقه لإسعاد أقرانه من شلة الحرافيش .. كان أديبا ومبدعا ماتعا ولكنه فى نفس الوقت كان كسولا مثاليا .. ماالسبب .. ايه الحكاية ؟.. يقول أبدا .. لاشيء .. تراودنى فكرة عظيمة لكتابة قصة قصيرة أو رواية .. فأجهز حالى .. وأقوم اعمل كوباية شاي .. ييه .. مفيش كبريت فى “الفيلا”.. .. لسه ح أقوم البس وانزل الشارع أدور على بقال .. لا .. لا .. مش نازل .. الورق امامي والأقلام .. أشرع متحمسا في الكتابة .. لعل وعسى .. سطر سطرين ثم أتوقف ..
الانتخة والكسل يداهمانى فجأة ..
الدماغ عايزة كوباية شاى عشان تتوزن .. لازم انزل اجيب علبة كبريت .. لا لا مش نازل خليها لبكره .. وهكذا تضيع الليلة ثم أتثاءب وابدأ في النوم .. انه الكسل يا عزيزي .. حقا لو كان الكسل رجلا لقتلته .. أدهشتني حكايته .. ف رحت اقرأ بعمق في ظاهرة الكسل .. علميا هو النفور من المجهود والشغل على الرغم من وجود القدرة البدنية .. وهى حالة تهدد كل إنسان منا من حين لآخر وتزعجه جدا .. حتى إن النبى شخصيا كان يستعيذ بالله من العجز والكسل بهذا الدعاء الجميل
اللهم انى اعوذ بك من العجز والكسل ..
والمصربون عادة يسموون التكاسل أنتخة .. أما العرب قديما فكانوا يصفون المتأنتخين بأنهم قوم يعيشون فى بلهنية من العيش .. ابن خلدون يقول فيهم .. يبدو أولئك الناس كما لو كانوا قد فرغوا من يوم الحساب ..فهم في غفلة وكسل مستدام … المدهش أن الكاتب البريطاني الشهير برتراند راسل يري أن الكسل ليس كله شرا .. بالعكس .. كفاية الإنسان يشتغل أربع ساعات عمل في اليوم .. وهى تكفي لجعل سكان العالم يعيشون عيشة سعيدة، لذا فالأجدر بهم أن يخصصوا باقي الوقت للترفيه والقيام بما يمتعهم، .. وقد تنبأ أنه بحلول الثورة التكنولوجية سوف يحدث ذلك .. للأسف لم تتحقق النبوءة بسبب توحش الرأسمالية التى جعلت الناس يلهثون ويضاعفون من جهودهم من اجل توفير معيشة كريمة ..
بل يتبارون فى البحث عن أساليب لتحسين قدراتهم ليصبحوا فى غاية النشاط والصحصحة .. كيف ؟ إليك نصائح الخبراء
.. أولا .. الاستيقاظ مبكرا .. مع صلاة الفجر
.. فالبركة ًفى البكور .. والغرب تقدم كثيرا بهذا النهج .. “بيصحوا من النجمة”
.. ثانيا .. الثوم ساحر جدا فى تنشيط الجسم .. وكذلك الأكلات الصحية .. مثل التفاح .. الموز
الأسماك .. السلطات .. اما المحاشى ونظرية .. الفول مسمار المعدة .. فهى أشياء تؤدى إلى التخمة والوخم
ثالثا .. القهوة .. والاسبرسو .. والكابتشينو ..
.. وللقهوة قصة مثيرة فى تاريخنا .. يوما ما أصدر السلطان العثمانى فرمانات بتشديد تحريم القهوة وهدم المقاهى وإعدام من يجاهر بشربها لأسباب سياسية ترتدى ثوب الدين .. فقامت معارك .. وسقط ضحايا .. أطلقوا عليهم فيما بعد “شهداء للقهوة”
رابعا .. .. تجنب الطفاسة .. ف البطنة تذهب الفطنة .. وما ملا بن آدم من وعاء قط شرا من بطنه .. ولا صحة مطلقا للمقولة الشعبية الخالدة .. ” الكرش عز” .. أخيرا الروائى العالمى الشهير
ميلان كونديرا فى روايته ” البطء ” يقارن بين المستعجلين جدا .. وبين البطيئين جدا .. ويتساءل أيهما الأكثر استمتاعا بحياته … ثم يترك لك حرية التأمل والموازنة والاختيار بين نمطين للحياة .. لتكتشف فى النهاية ان خير الامور الوسط .. وان لبدنك عليك حقا .. وان لنفسك عليك حقا .. وان الكفاح والطموح ينبغى على الانسان الا يجعلهما سببا لهلاكه .. وانه لابد ان يتوقف عند نقطة .. مثلما أشارت لورا ناش فى كتابها الرائع
” النجاح الكافي “