مصر التي في خاطري الجزء (٤).. بقلم محمد أبوتليح

مصر التي في خاطري الجزء (٤).. بقلم محمد أبوتليح
إن مصر لها من المناقب عند الله تعالى الكثير، مما لم يرد في حق بلد آخر، غير الحرمين الشريفين: (مكة والمدينة)، وفي هذا المقال نبحر في بحر فضائلها ومناقبها، تلك المناقب التي شحنت بها الكتب من آثار في ذكر مناقبها.
وفي هذه الرحلة نتنقل بين آثار رويت عن الأقدمين، من صحابة ومؤرخين، غير أن منها كثير لم يرد بإسناد، إلا أن المؤرخين كالسيوطي وابن زولاق، وغيرهما، أوردوها في تصانيفهم من باب الاستئناس بذكر المناقب، ومنها:
– هي البلد المباركة في دعوة سيدنا آدم أبو البشر عليه السلام، نيلها مبارك، وجبالها مباركة، وأرضها مباركة:
عن عبد لله بن عمر.قال: لما خلق الله آدم مثل له الدنيا شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك. فلما رأى مصر رأى أرضًا سهلة، ذات نهر جار، مادته من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقى بماء الرحمة. فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: ” يأيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض فيك الخباء والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت؛ ولا زال فيك الخير ما لم تتجبري وتتكبري، أو تخوني وتسخري، فإذا فعلت ذلك عراك شر، ثم يعود خيرك”.
فكان آدم عليه السلام أول من دعا لمصر بالرحمة والخصب والبركة والرأفة.
وأورد غيره عن عبد الله بن سلام، قال: مصر أم البركات، تعم بركتها من حج بيت الله الحرام من أهل المشرق والمغرب، وإن الله يُوحي إلى نيلها في كل عام مرتين؛ مرة عند جريانه، فيوحى إليه: إن الله يأمرك أن تجري كما تؤمر، ثم يوحى إليه ثانية: إن الله يأمرك أن تفيض حميدًا، فيفيض. وأن بلد مصر بلد معافاة وأهلها أهل عافية، وهي آمنة ممن يقصدها بسوء، من أرادها بسوء كبه الله على وجهه، ونهرها نهر العسل، ومادته من الجنة، وكفى بالعسل طعامًا وشرابًا.
وأورد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، أنه لما بعث محمد بن أبي بكر الصديق إلى مصر، قال: “إني وجهتك إلى فردوس الدنيا
وهي أم البلاد، وخزائن الله في الأرض، والآمنة من الفتن”.
وعن سعيد بن هلال، قال: اسم مصر في الكتب السالفة أم البلاد. وذكر أنها مصورة في كتب الأوائل ، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها.
وعن كعب قال: في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءًا قصمه الله.
وعن كعب قال: لولا رغبتي في بيت المقدس ما سكنت إلا مصر. قيل: ولِمَ؟ قال: لأنها بلدة معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه؛ وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وعن أبي بصرة الغفاري، قال: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطان مصر سلطان الأرض كلها.
– هي مجمع البركة والخيرات:
عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما قال: البركة عشر بركات؛ ففي مصر تسع، وفي الأرض كلها واحدة؛ ولا تزال في مصر بركة أضعاف ما في جميع الأرضين.
وعن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، يرفعه: “إن الله يقول يوم القيامة لساكني مصر يعدد عليهم: ألم أسكنكم مصر، فكنتم تشبعون من خبزها وتروون من مائها”.
– هي البلد المحفوظة بحفظ الله، والمنصورة بنصره، وجندها خير أجناد الأرض:
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه، قال: “أهل مصر الجند الضعيف، ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته”. قال تُبَيع بن عامر الكلاعي: فأخبرت بذلك معاذ بن جبل، فأخبرني أن بذلك أخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن شُفَيّ بن عبيد الأصبحي: قال: بلد مصر بلد معافاة من الفتن، لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه الله، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه.
وقال أبو ربيع السائح: نعم البلد مصر، يُحج منها بدينارين، ويُغزى منها بدرهمين. يريد الحج في بحر القلزم، والغزو إلى الإسكندرية وسائر سواحل مصر.
– هي مأوى الغرباء، وغوث الضعفاء:
قيل: إن يوسف عليه الصلاة والسلام لما دخل إلى مصر، وأقام بها قال: اللهم إني غريب فحببها إليَّ وإلى كل غريب؛ فمضت دعوة يوسف، فليس يدخلها غريب إلا أحب المقام بها.
وعن دانيال عليه السلام: “يا بني إسرائيل، اعلموا لله، فإن الله يجازيكم بمثل مصر في الآخرة” -أراد الجنة. ولا تزال مصر معافاةً من الفتن، مدفوعًا عن أهلها كل الأذى.



