هنا القاهرة..فول بالزيت الحار

*ايام وليالي*
بقلم الصحفى السودانى الكبير /علي سلطان
ما أجمل الصباح في القاهرة.. حين تخرج الضجة والضجيج من رحم الهدوء فيتحول الصمت الرقيق إلى عاصفة من الأصوات المتداخلة و المتباينة.
والقاهرة حياة ممتعة في هدوئها وضجيجها وصمتها وعلو أصواتها.
البحث عن الرزق هو سر الحياة في مصر.. الكل في همة ونشاط ودعوات مستجابات وصلاة على النبي لا تفتر الشفاه عن ترديدها.. والكل يدب على الأرض منطلقا إلى عمله ومصدر رزقه.. حياة يومية لا تختلف تفاصيلها تكاد تتشابه في ملامحها في كل بيت وفي كل ركن وزاوية وشارع وميدان.
ما أجمل وأعظم وابرك حياة الأسر المصرية.. ما أجمل صوت أذان الفجر يشق السكون والصمت.. وما أجمل الأرجل والخطوات السرعة تجاه بيوت الله..
صباح اليوم ورغم بدايات البرد الشاتي الا انني قاومت كل اغراءات الدفء.. واتجهت إلى شارع جانبي قريب من مكان سكني حيث ترابط هناك عربة فول ابو عبدالله منذ سنوات تقترب من العقدين.. فول حار وفول حلو مع الشطة والفلفل وبيض ومخللات ورغيف ساخن يتحلق الناس حول ابو عبدالله.. فول بالزيت الحار مع الشطة والبيض المسلوق والمخلل كانت هذه مكونات افطاري على الصينية بالقرب من عربة فول ابوعبدالله في القهوة الملاصقة مع فنجان شاي كشري.
ويبدأ الصباح جميلا مع القفشات المصرية وصوت الست ام كلثوم..
اسعد ببدايات الصباح في القاهرة مع بدايات الشتاء.. ياسرني الجو الغائم وارقب تسلل أشعة الشمس من بين السحاب.. ويعجبني سعي الناس الي رزقها الحلال كل على طريقته واسلوبه.. يدهشني دائما ذلك الشاب الذي يحمل على راسه طاولة الرغيف وهو يقود دراجته في خفة وتمكن بين المارة والشارع الضيق.. فلاتسقط الطاولة ولا يصطدم بأحد مهارة وروعة.
يعجبني تقدير الناس لبعضهم.. كل إنسان يتحرك في مساحة حريته التي لا تؤذي مشاعر الآخرين ولا أحد يتطاول على احد.. الكلمة الطيبة هي اسلوب حياة المصريين.. الصلاة على النبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم تتردد في كل لحظة.. المجاملة بين الناس.. احترام متبادل.. تكافل اجتماعي.. وقفشات وضحكات لاتتوقف.. والأجمل أن الشيشة قد تم منعها في المقاهي فأصبح الجلوس محتملا.. والعاقبة للسجائر حتى تختفي السنة الدخان في المقاهي.


