مقالات

الشيخ محمد أبوتليح يكتب ..المتحف المصري الكبير عنوان الحضارة والتراث المصري العريق

 

الشيخ محمد أبوتليح يكتب ..المتحف المصري الكبير عنوان الحضارة والتراث المصري العريق

 

لقد شهدت مصر والعالم أجمع ذلك الحدث الحضاري الكبير، الذي يمثل الوجه المشرق والمشرف، والذي عكس روح عزيمة المصريين الأحفاد في الاعتزاز بمجد حضارة الأجداد، تحت رعاية قيادة رشيدة، تعتز بهويتها، المصرية الأصيلة، وتريد الارتقاء بوطنها العزيز الأبى مصر؛ ألا وهو سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي حفظه الله.

وبكل فخر واعتزاز يُعد المتحف المصري الكبير أحد أضخم المشاريع الثقافية في القرن الواحد والعشرين، ليس على المستوى المصري فحسب، بل على الصعيد العالمي، إذ يمثل حصنًا منيعًا لحفظ تراث مصر الخالد، ويطلق رسالة واضحة إلى العالم بأن مصر لا تقدّر تاريخها كذكرى ماضية، بل كأصل حي للهوية والانتماء . 

والمتحف ليس مجرد مكان لعرض القطع الأثرية، بل هو صرح علمي وتعليمي وسياحي متكامل، يتضمّن تقنيات رقمية متقدمة، ومختبرات للتحنيط، وقاعات للمؤتمرات الدولية، مما يجعله مركزًا عالميًا لدراسة الحضارات القديمة.

ومن الناحية العالمية، فإن افتتاح المتحف الكبير كان حدثًا استثنائيًا رصدته وسائل الإعلام الدولية بدقة، وشغف منقطع النظير. 

 وقد سمعنا إبان افتتاح المتحف صيحات غير مسؤولة لا علميا، ولا ثقافيا، تكيل الاتهامات، وتصف هذا المعلم الحضاري الحديث بأنه دعوة للشرك، وإحياءً لتراث المشركين. 

ويا للعجب من أين جاءت قناعتهم تلك التي لم تؤسس على هدى، ولا كتاب منير، ولا دليل يستند إليه. 

وبداية نقول: لا يوجد أي تعارض بين هذا الصرح وبين الدين الإسلامي، لأن الإسلام لم يُحرّم النظر في الآثار، بل أمر بالتفكر فيها. قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ؟)

 (غافر: 82)،

ويكفي هؤلاء دليلا في الرد عليهم فعل الصحابة رضي الله عنهم، فقد تركوا الآثار قائمة عند دخولهم مصر، ولم يهدموها، مع علمهم بالتوحيد أتم العلم، وهم اكمل الناس إيمانا، وأحفظهم لجناب التوحيد لأنهم عرفوا أن الحفاظ على الأثر التاريخي ليس عبادة له، بل تدبرًا في آيات الله في الأرض. فالفرق واضح بين عبادة الأصنام التي حرّمها الإسلام ، وقطع دابرها، وبين عرض هذه الآثار كشاهد على الحضارة، والذي يُعد من التفكر المأمور به في كتاب الله عز وجل في آثار الأولين، ليعتبر الخلق بأن الدنيا لا تدوم وإن بلغ أهلها قمة الحضارة والتقدم والرقي.

ومن ثم نقول: إن التحفظ على الآثار المصرية القديمة، وعظمتها لا يضر المسلم في دينه وعقيدته ، لاستقرار اليقين في نفوسهم أنه لا معبود بحق إلا الله.

ذلك لأن الآثار المصرية القديمة ما هي إلا شواهد على وجود الله تعالى ، وحكمه في خلقه، وأنه هو المحيي والمميت، والمبدئ والمعيد.

والإسلام لا يوجد بشريعته السمحاء تعارض بين التوحيد والاحتفاء بالآثار، بل يعتبر ذلك نظرا في آيات إلهية، وسنة لله في خلقه وكونه.

وأخطأ هؤلاء خطأ علميا فادحا، إذ لم يفرقوا بين الصنم والتمثال أنه هو من جملة آثار الأولين، فالتمثال لا يعدو كونه أثرا تاريخيا، والثاني وسيلة شرك، لأنه كان يعبد من دون الله تعالى. 

فما عُبِد من تماثيل فرعونية كان صنمًا، في عهده، أما ما بقي من آثار بعد زوال عبادتها، فهو أثر لا يُعبد، بل يُدرس. 

وهذا ما فعله الصحابة رضي الله عنهم حين دخلوا مصر بنصر الله لهم، فلم يهدموا الأهرامات، ولم يمسّوا المعابد، بل تركوها كما هي، وسجّلوا أسماء المدن على ما كانت عليه؛ فـ”الإسكندرية” و”منف” و”أبو سمبل”، وغيرها من بلاد وطننا العزيز، كلها أسماء فرعونية بقيت، لأن الإسلام لا يغيّر التاريخ، بل يبقيه ويتخذه موطنا للعظة والاعتبار .

وإن من أعظم الجرم الرجم بالغيب، والقول بدون علم ولا دراسة، بأن المصريين القدماء كانوا على الشرك، خاصة بعد أن حدثنا القرآن الكريم بوجود أنبياء كرام ورسل عظام، سيدنا إدريس، وسيدنا يوسف، وسيدنا موسى، وسيدنا هارون، عليهم السلام ، خاصة وإن الأنبياء والمرسلين عددهم كثير ، فكما ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن عدتهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا.، ومن ذكروا في كتاب الله خمسة وعشرون، وكما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ} (غافر: ٧٨). 

والمؤرخون المسلمون قد شهدوا في كتاباتهم أن مصر كان فيها أنبياء ورسل كرام، وأنها محضن وموطن التوحيد عبر الزمان الماضي، ولعلنا إن شاء الله نورد ذلك في المقالات القادمة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كان الصحابة جاهلين بخطر الشرك؟ لو أنهم رأوا في هذه الآثار مدعاة للشرك؟ هل كانوا سيركونها؟ كلا والله. بل كانوا أعلم الناس بالتوحيد، وأشدهم حذرًا من البدع، فلم يهدموا شيئًا، لأنهم عرفوا أن الاحتفاظ بالآثار ليس إقرارًا بالعبادة، بل إقرارًا بالحقائق التاريخية التي تُثبّت أخبار القرآن .

ومن أبرز ما يُثبت أن مصر لم تكن دولة كافرة من دون نبي كان فيهم، أن النبي إدريس عليه السلام، وهو من أجداد الأنبياء، سكن مصر، وبها ولد ونشأ، وبنى فيها معبد إدفو، كما ذكر ذلك المؤرخون المسلمون القدامى، ورسم على جدرانه آيات من التوحيد، وصورًا رمزية لعبادة الواحد الأحد، فكان يُصوّر الشمس كرمز للنور الإلهي، لا كإله، كما تفعل الأديان الوثنية، ولا كما يعتقده البعض.

وقد أكّد السيوطي في كتابه: (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) على هذا المعنى بقوله: “وقد كان في مصر من الأنبياء من لم يُذكر اسمه في القرآن، ومنهم إدريس عليه السلام”. 

وهذا يُظهر أن الحضارة المصرية لم تكن مستقيمة على الشرك بل كانت في أكثر عصورها على التوحيد، والله أرسل إليها أنبياء، فكان إدريس عليه السلام من أولهم، وقيل: هو أول من خطّ بالقلم، وأول من خاط الثياب، وأول من علّم العلوم الكونية في مصر.

وقد أشار ابن كثير في “البداية والنهاية” إلى أن إدريس عليه السلام كان نبيًا مُرسلًا إلى قومه في مصر، فدعاهم إلى عبادة الله وحده. 

 وفي النهاية نقول: الإسلام لا يُحرّم الآثار، فالمسلم لا يُصلي أمام التمثال، ولا يُقدّم له قربانًا، ولا يُسجد له، لكنه يدرسه، ويُفكّك رموزه، ويستفيد من علومه. ومثل هذا ما فعله المسلمون في الأندلس، حين حافظوا على المكتبات اليونانية والرومانية، وترجموا كتبها، وبنوا عليها علم الطب والهندسة والفلك.

فهل من العقل أن يقال: إنهم أخطأوا، لأنهم استفادوا من علومهم؟!

وإن محاولات التشويه للآآثار المصرية القديمة بوصفها : “أصنامًا” أو “وثنيّةً” ، ما هي إلا انحراف فكري، لا ديني، لأنها تُنكر فهم الصحابة، وتُجاهل أقوال العلماء. والإسلام لا يُحَرّم الحضارة، بل يُحَرّم الشرك، والآثار ليست شركًا، إلا إذا عُبِدت. ونحن لا نُصلي أمام التمثال، ولا نعبده، بل نعبد الله تعالى وحده لا شريك له ونحن له مخلصون ، ونحن لا نُقدّس الأهرامات، بل نُقدّس الله الذي خلق العقول التي بنتها.

وقد دعانا تبارك وتعالى إلى التأمل، وحثنا على اكتشاف هذه الحضارات، في قوله: { إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } (الفجر:٧-٨) والتي لم نصل إليها إلى الآن، حتى مع تقدم التكنولوجيا، وأدوات البحث الحديثة، بل وقد تكون هذه الحضارة لم نصل إليها نحن بعد، مع ما من الله به علينا من حضارة في زماننا.

 وإلى لقاء قريب بإذن المولى المجيب سبحانه وتعالى.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى