يوسف زيدان: “الدسوقي” نفسه مايعرفش اتولد امتة.. ومافيش حاجة في التصوف إسمها “مجلس أعلى”.. ومن لا شيخ له فشيخه الشيطان “كلام فارغ”

أمير أبورفاعي
بينما يحتفل أبناء الطرق الصوفية بمولد القطب الصوفي إبراهيم الدسوقي، منذ مطلع الأسبوع الجاري بعد حملة انتقادات واسعة صاحبت الاحتفال بمولد السيد أحمد البدوي، عبر تداول أخبار وصور لبعض المظاهر المصاحبة للاحتفال، جاء ظهور المفكر والروائي الدكتور يوسف زيدان، مع الإعلامي عمرو حافظ، ببرنامج “كل الكلام”، المذاع على قناة “الشمس”، تزامناً مع الاحتفال بمولد الدسوقي، متحدثاً عن الصوفية وطرقها وموالدها وما يحدث بها من وجهة نظره، متحدثاً عن تجربته الشخصية في التصوف.
فأكد المفكر والروائي الدكتور يوسف زيدان، أن الموالد الشعبية في مصر، مثل مولد السيد أحمد البدوي ومولد إبراهيم الدسوقي، لا تمتّ بصلة إلى التصوف الحقيقي، واصفًا إياها بأنها “جنون فلكلوري جميل” يعكس البهجة الشعبية أكثر من كونه ممارسة روحانية أو دينية.
وأضاف “زيدان”، “إحنا ما نعرفش لا الدسوقي ولا البدوي اتولدوا إمتى، ودول أئمة كبار، مولد البدوي مثلًا بدأ حين كان فلاحو الدلتا يحتفلون بعد موسم الحصاد، فتحوّل الاحتفال الزراعي إلى طابع ديني فولكلوري لا علاقة له بالإسلام ولا بالتصوف”.
وتابع زيدان، الجماعة اللي بيجتمعوا النهارده في دسوق طبعًا هيفرحوا شوية، ده كويس وكل حاجة، بس هم عرفوا منين إن النهارده اتولد إبراهيم الدسوقي؟، ده غالبًا الشيخ إبراهيم الدسوقي نفسه ما كانش يعرف هو اتولد إمتى، لأنه ما هو أكبر منه عبد القادر الجيلاني، لما ابنه سأله: إمتى اتولدت؟ قال له: لا أعلم، ولكني دخلت بغداد في السنة التي توفي فيها التميمي، وكان عمري 18 سنة بالتقريب.”
وأضاف: “زمان إحنا نعرف وفيات العلماء الكبار والشخصيات المهمة يوم وفاتهم عشان بيبقى في جنازة، إنما الميلاد ما كانش عندهم شهادات ميلاد ولا سجل مدني، فالناس دي يعني في الهواء كده، حلو الهواء بس يبقى محدود وما يتمش توظيفه واستغلاله من قبل بعض المنتفعين.”
وتابع: “أنا شفت بعض المنسوبين للتصوف دول في الحسين، الناس الفقراء اللي مش لاقيه تاكل، هم رايحين بقى يزوروا، والناس جماهير وراهم، ويحط يا عيني 10 جنيه ولا 15 جنيه في ظرف، يحدفهم على أقدام الشيخ، وواحد من ورا عمال يلم المظاريف، ده تصوف إيه ده؟ ولا شيخ تاني بيزعم إنه صوفي يطلع لابس عِمّة شكلها غريب، ده مظهر التصوف ضد المظهر، التصوف هو انتقال من المظاهر إلى الجواهر، من الشكل إلى المضمون”.
واستطرد قائلاً: “اللي بيعملوه ده عكس التصوف، فعلى الأقل ما يستغلوش جهل العامة والنزوع الفطري الإنساني ويوجهوه للتوجيه الخاطئ العديم المعنى، اللي بيخلينا كبلد في حالة هوس”.
وأوضح أن الموالد بصورتها الحالية ليست مرتبطة بأي دين، بل تعبر عن مرح إنساني وجنون شعبي جميل، مشددًا على أن التصوف الحقيقي لا يحتاج إلى مظاهر أو مؤسسات، قائلاً: “مفيش حاجة اسمها مجلس أعلى للتصوف، ولا كارنيه صوفي، التصوف سرّ بين الإنسان والمطلق اللانهائي، الذي نسميه الله، ويسميه غيرنا يهوه أو يسوع أو غير ذلك، إنه علاقة روحية مع الكون، لا تُقاس بالمظاهر ولا بالاحتفالات”.
وكشف عن تجربته الشخصية في بداياته مع بعض شيوخ التصوف، موضحًا أنه تعرّف على الشيخ مصطفى حلمي القادري لقرابة ثماني سنوات، والشيخ حسين معوض لعدة أعوام، وتعلم منهم رؤية مختلفة للكون، بالتوازي مع دراسته للفلسفة الألمانية، مؤكدًا: “ولا واحد فيهم راح مولد، ولا عمل مولد، التصوف الحقيقي أعمق من ذلك بكثير”.
وأكد أن التصوف ليس طقسًا جماعيًا ولا مؤسسة رسمية، بل هو تجربة داخلية يعيشها الإنسان في رحلته نحو السمو الروحي والاتصال بالمطلق.
مضيفاً أنه كان قد كتب رأيه في هذا الشأن عبر صفحته على فيس بوك، ونُشرت تصريحاته في عدد من الصحف، مشيرًا إلى أن بعض من وصفهم بـ”المشايخ بين قوسين” انزعجوا من كلامه وردوا عليه ببيانات رافضة، لكنه أكد أن القضية ليست في الرفض أو القبول، بل في تحديد معنى التصوف الحقيقي.
وقال: “التصوف نزعة إنسانية عامة موجودة في النفس البشرية، وهي طلب السمو والترقي الروحي، ولا ترتبط بدين معين، يمكن أن نجد صوفية بين الهندوس والنساك والمسيحيين واليهود، بل وحتى بين الفنانين الكبار الذين ينعزلون عن الناس بحثًا عن العمق والصفاء.”
وأوضح أن التصوف في جوهره حالة روحية لا علاقة لها بالمشيخة أو الطرق المؤسسية، منتقدًا المقولة الشائعة “من لا شيخ له فشيخه الشيطان”، معتبرًا إياها “كلامًا فارغًا”، مدللًا بأمثلة من التاريخ الصوفي “محيي الدين بن عربي لم يكن له شيخ، والحلاج كذلك، وكذلك الحارث المحاسبي وذو النون المصري والنفري ورابعة العدوية، التي تُعد من أجمل الشخصيات في تاريخ التصوف.”
واستشهد بقول عبد القادر الجيلاني: “الشيخ مرحلة في حياة السالك إلى الله، فإذا استقرت نفسه واهتدى طريقه، يقطع عن الشيخ، فيكون لكل منهما طريق إلى الله”، مؤكدًا أن العلاقة الدائمة بين الشيخ والمريدين “تحوّل الطرق الصوفية إلى تشكيلات أقرب للعصابات، لا للتجارب الروحية”.
واستعرض زيدان أصل ما يسمى بملابس المجاذيب، قائلاً: “في نفس الوقت اللي كان فيه بيسموهم الدجاويش، ودي كلمة غلط، هم الأدق المجاذيب، من مجذوب، اللبس ده ليه تاريخ، دي اسمها المرقعات، وعلامة على الانتقال من الحياة الدنيوية إلى الحياة الصوفية، لما بدأ التصوف في بغداد في الزمن العباسي الأول، كان في بزخ وطرف وإنفاق، فعالجوا بالضد، زهدوا، وكان من علامات الزهد إنهم ما يلبسوش حاجة شيك ولا نظيفة، فلبسوا ثيابًا بالية مرقعة علشان يدو إشارة للزهد في الدنيا، ومع الوقت بقت المرقعات ولبس الصوف علامة على التصوف، لكنها علامة مرحلية مرتبطة بوقت معين، فبالتالي ما ينفعش نفتكر إن التصوف هو الصوف أو لبس الصوف”.
وقال: “اللي بيبلسوها المجاذيب دي دلوقتي، هو بيعملها مخصوص، يجيب حتة قماشة حمراء وحتة صفراء ويخيطهم في بعض، ده شيء مش من جوهر التصوف”.




