اللواء صلاح المعداوي يكتب: بعد مؤتمر القمة العربية الإسلامية في الدوحة هل سيقترب ترامب من جائزة نوبل للسلام ؟

✍️ بقلم: لواء أ.ح / صلاح المعداوي
محافظ الدقهلية الأسبق
شهدت العاصمة القطرية الدوحة انعقاد مؤتمر القمة العربية الإسلامية الطارئة في لحظة تاريخية فاصلة، حيث اجتمع قادة الدول الإسلامية والعربية أمام مسؤوليات جسيمة فرضتها التطورات الدامية في فلسطين، والجرائم المروعة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الأعزل في غزة.
لم يكن هذا المؤتمر مجرد اجتماع بروتوكولي أو بيان شكلي يضاف إلى أرشيف المؤتمرات السابقة، بل جاء مختلفًا في رسائله وقوة مواقفه، فكان بمثابة قبلة حياة للضعف كي يستفيق، وشحنة يقظة للقوة كي تنتبه وتتحرك، إذ حمل في طياته رسائل سياسية واستراتيجية أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح وكشفت المستور أمام العالم أجمع.
برز في أروقة المؤتمر صوت الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي تحدث بجرأة غير مسبوقة وشفافية كاملة، كاشفًا عن حجم الجرائم والإنتهاكات التي ترتكبها حكومة نتنياهو المتطرفة في غزة.
لقد حمل خطابه قوة تعبيرية وصدقًا إنسانيًا، فلم يكتفِ بالتوصيف وإنما رسم رؤية متكاملة لكيفية مواجهة الواقع المأساوي، مؤكدًا أن المنطقة لم تعد تتحمل المزيد من الدماء والدمار، وأن المجتمع الدولي لم يعد أمامه ترف الصمت أو التردد، بل بات عليه أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية.
وفي الوقت الذي كان صوت الأمير تميم يكشف الحقائق، ارتفع صوت الرئيس عبد الفتاح السيسي ليجسد الحكمة والعقلانية في أبهى صورها، فقد نادى بالسلام في لحظة يختنق فيها صوت الحرب، ووجه رسالة مباشرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يناشده فيها أن يبذل كل جهده لوقف الحرب في غزة.
لم تكن مناشدة السيسي مجرد دعوة سياسية عابرة، بل جاءت في توقيت ذهبي أبرز حنكته وقدرته على قراءة اللحظة التاريخية.
لقد أدرك السيسي أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على وقف المجازر والإبادة الجماعية، وأنها إن أرادت حقًا تثبيت نفوذها في المنطقة فعليها أن تثبت قدرتها على صناعة السلام، خاصة في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة لا تعطي حتى لواشنطن نفسها أي اعتبار، وعلى رأسها نتنياهو المتغطرس الذي يظن أنه فوق الحساب وفوق القانون.
غير أن ترامب، الذي كان يأمل أن يكتب اسمه في سجل صناع السلام، وقع في فخ نتنياهو، أوهمه الأخير بأنه قادر على التحكم في مفاتيح الشرق الأوسط، بل والعالم أجمع.
عاش نتنياهو وهم السيطرة، فتصور أنه يتحكم في أمريكا من إسرائيل، ويمسك بمصير المنطقة من فلسطين، ويقود العالم من إسرائيل الكبرى، هذا الوهم الخطير لم يكن سوى خدعة دفعت ترامب إلى منحه حرية مطلقة في غزة، ليطلق العنان لآلة الحرب الإسرائيلية تمارس أبشع الجرائم: قتل وتدمير وتجويع وتعطيش وتطهير عرقي وتهجير قسري وإبادة جماعية. ولم يكتفِ نتنياهو بكل ذلك، بل تمادى إلى حد الغدر بدولة قطر، الدولة الوسيطة التي وثق بها العالم مع مصر وأمريكا في مساعي وقف الحرب، وهو ما كشف طبيعة التهور الإسرائيلي وعمق غرور قيادتها.
في مواجهة هذه التحديات، كان الموقف الشعبي المصري واضحًا وقويًا، فقد أعلن الشعب المصري العظيم وقوفه الكامل خلف قيادته السياسية الحكيمة، مدركًا أن ما يجري في غزة ليس مجرد حرب عابرة، بل محاولة لتغيير وجه المنطقة بأسرها وإعادة رسم خرائطها على حساب الحق الفلسطيني.
ومن هنا جاءت المناشدة المصرية لترامب واضحة وصريحة: وقف الحرب فورًا، إدخال المساعدات الإنسانية، وإنقاذ غزة من الإبادة. لقد أدرك المصريون أن المخرج الوحيد إما أن يكون بقرار أمريكي شجاع يضع حدًا لجرائم الإحتلال، أو عبر تطور دراماتيكي يقلب الموازين ويغير مسار الأحداث، كما حدث بالفعل في العدوان الغادر على قطر.
وهنا تتجلى أهمية القمة التي انعقدت في الدوحة، فقد أثبتت أنها الأقوى على الإطلاق. أن تجتمع سبع وخمسون دولة، ولكل منها فكرها وخصوصيتها وأولوياتها، ثم تخرج بموقف موحد وصوت واحد، فهذا إنجاز غير مسبوق.
لقد تجاوزت القمة كل التوقعات، وأكدت أن العالم الإسلامي لا يزال قادرًا على التحرك متى استدعى الأمر، وأن قوة التضامن قادرة على صناعة الفارق إذا ما أُحسن استثمارها.
ومع ذلك تبقى الكرة في ملعب الولايات المتحدة، فإما أن تستفيد من الدرس وتعيد تصحيح المسار، أو تضيع الفرصة على ترامب الذي سيخسر حينها فرصته في نيل جائزة نوبل للسلام، وسينقلب المشهد ضده وضد إسرائيل، ليجد نتنياهو ورفاقه المتطرفون أنفسهم في مواجهة العدالة مهما طال الزمن.
إن ما خرجت به القمة من قرارات ومواقف يمثل فرصة ذهبية لإعادة الاعتبار لمبادئ الحق والعدل والإنسانية. فإذا تجاوب ترامب مع النداء الذي حملته كلمات الرئيس السيسي والأمير تميم، فإن الطريق سيكون ممهداً نحو وقف الحرب، وفتح المعابر أمام المساعدات، وإطلاق سراح الأسرى، والشروع في مسار جديد للسلام.
وعندها سيشهد العالم أن القيادة الحقيقية لا تُقاس بالقوة العسكرية ولا بالغطرسة السياسية، بل بالقدرة على صناعة السلام وإنقاذ الشعوب من جحيم الحروب.
وعند تحقق هذا السيناريو، سيعترف التاريخ أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، والأمير القطري تميم بن حمد، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هم الثلاثة الذين يستحقون معًا أن ينالوا جائزة نوبل للسلام، لأنهم أوقفوا حربًا كانت تهدد بإبتلاع المنطقة بأكملها، وأنقذوا شعبًا كان يواجه خطر الإبادة، وأعادوا الأمل إلى قلوب الملايين، وأثبتوا أن صوت الحكمة يمكن أن ينتصر في النهاية على طبول الحرب.